سورة طه - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)}
قفاه بقصة موسى عليه السلام ليتأسى به في تحمل أعباء النبوّة وتكاليف الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد، حتى ينال عند الله الفوز والمقام المحمود. يجوز أن ينتصب {إِذْ} ظرفاً للحديث، لأنه حدث أو لمضمر، أي: حين {رَءَا نَاراً} كان كيت وكيت. أو مفعولاً ل (ذكر) استأذن موسى شعيباً عليهما السلام في الخروج إلى أمه وخرج بأهله، فولد له في الطريق ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة، وقد ضلّ الطريق وتفرّقت ماشيته ولاماء عنده، وقدح فصلد زنده فرأى النار عند ذلك. قيل: كانت ليلة جمعة {امكثوا اْ} أقيموا في مكانكم. الإيناس: الإبصار البين الذي لا شبهة فيه، ومنه إنسان العين لأنه يتبين به الشيء، والإنس: لظهورهم، كما قيل الجنّ لاستتارهم وقيل: هو إبصار ما يؤنس به. لما وجد منه الإيناس فكان مقطوعاً متيقناً، حققه لهم بكلمة (إن) ليوطن أنفسهم، ولما كان الإتيان بالقبس ووجود الهدى مترقبين متوقعين، بني الأمر فيهما على الرجاء والطمع وقال {لعلى} ولم يقطع فيقول: إني {ءَاتِيكُمْ} لئلا يعد ما ليس بمستيقن الوفاء به. القبس: النار المقتبسة في رأس عود أو فتيلة أو غيرهما. ومنه قيل: المقبسة، لما يقتبس فيه من سعفة أو نحوها {هُدًى} أي قوماً يهدونني الطريق أو ينفعونني بهداهم في أبواب الدين، عن مجاهد وقتادة؛ وذلك لأنّ أفكار الأبرار مغمورة بالهمة الدينية في جميع أحوالهم لا يشغلهم عنها شاغل. والمعنى: ذوي هدى. وإذا وجد الهداة فقدوجد الهدى. ومعنى الاستعلاء في {عَلَى النار} أنّ أهل النار يستعلون المكان القريب منها، كما قال سيبويه في مررت بزيد: انه لصوق بمكان يقرب من زيد. أو لأنّ المصطلين بها والمستمتعين بها إذا تكنفوها قياماً وقعوداً كانوا مشرفين عليها، ومنه قول الأعشى:
وَبَاتَ عَلَى النَّارِ النَّدَى وَالْمُحَلَّقُ ***


{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)}
قرأ أبو عمرو وابن كثير {أَنّي} بالفتح، أي: نودي بأني {أَنَاْ رَبُّكَ} وكسر الباقون، أي: نودي فقيل يا موسى، أو لأنّ النداء ضرب من القول فعومل معاملته. تكرير الضمير في {إنى أَنَاْ رَبُّكَ} لتوكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة. روي أنه لما نودي {ياموسى} قال: من المتكلم؟ فقال له الله عز وجل: {إنى أَنَاْ رَبُّكَ}، وأن إبليس وسوس إليه فقال: لعلك تسمع كلام شيطان. فقال: أنا عرفت أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع جهاتي الست، وأسمعه بجميع أعضائي.
وروي: أنه حين انتهى رأى شجرة خضراء، من أسفلها إلى أعلاها كأنها نار بيضاء تتقد. وسمع تسبيح الملائكة، ورأى نوراً عظيماً فخاف وبهت، فألقيت عليه السكينة ثم نودي، وكانت الشجرة عوسجة، وروي: كلما دنا أو بعد لم يختلف ما كان يسمع من الصوت.
وعن ابن إسحاق: لما دنا استأخرت عنه، فلما رأى ذلك رجع وأوجس في نفسه خيفة، فلما أراد الرجعة دنت منه، ثم كلم. قيل: أُمر بخلع النعلين لأنهما كانتا من جلد حمار ميت غير مدبوغ عن السدي وقتادة. وقيل: ليباشر الوادي بقدميه متبركاً به. وقيل: لأن الحفوة تواضع لله، ومن ثم طاف السلف بالكعبة حافين، ومنهم من استعظم دخول المسجد بنعليه، وكان إذا ندر منه الدخول منتعلاً تصدق، والقرآن يدل على أن ذلك احترام للبقعة وتعظيم لها وتشريف لقدسها.
وروي: أنه خلع نعليه وألقاهما من وراء الوادي {طُوًى} بالضم والكسر منصرف وغير منصرف بتأويل المكان والبقعة. وقيل: مرتين، نحو ثنى أي نودي نداءين أو قدس الوادي كرة بعد كرة {وَأَنَا اخترتك} اصطفيتك للنبوّة.
وقرأ حمزة {وإنا اخترناك} لِمَا يوحى ا للذي يوحى. أو للوحي. تعلق اللام باستمع، أو باخترتك {لذكرى} لتذكرني فإن ذكري أن أعبد ويصلى لي. أو لتذكرني فيها لاشتمال الصلاة على الأذكار عن مجاهد. أو: لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها. أو لأن أذكرك بالمدح والثناء وأجعل لك لسان صدق. أو لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري أو لإخلاص ذكري وطلب وجهي لا ترائي بها ولا تقصد بها غرضاً آخر. أو لتكون لي ذاكراً غير ناس فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم وتوكيل هممهم، وأفكارهم به، قال: {لاَّ تُلْهِيهِمْ تجارة وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله} [النور: 37] أو لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة، كقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} [النساء: 103] واللام مثلها في قولك: جئتك لوقت كذا، وكان ذلك لست ليال خلون. وقوله تعالى: {ياليتنى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى} [الفجر: 24] وقد حمل على ذكر الصلاة بعد نسيانها من قوله عليه الصلاة و السلام: «من نامَ عنْ صلاةِ أو نسيَها فليصلِها إذَا ذكرَهَا» وكان حق العبارة أن يقال: لذكرها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذَا ذكَرها» ومن يتمحلُ له يقول: إذا ذَكرَ الصلاةَ فقدْ ذكرَ اللَّهَ. أو بتقدير حذف المضاف، أي: لذكر صلاتي. أو لأن الذكر والنسيان من الله عز وجل في الحقيقة.
وقرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم {للذكرى}.


{إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)}
أي أكاد أخفيها فلا أقول هي آتية لفرط إرادتي إخفاءها؛ ولولا ما في الإخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من اللطف لما أخبرت به. وقيل: معناه أكاد أخفيها من نفسي، ولا دليل في الكلام على هذا المحذوف، ومحذوف لا دليل عليه مطرح. والذي غرهم منه أن في مصحف أبيّ: أكاد أخفيها من نفسي. وفي بعض المصاحف: أكاد أخفيها من نفسي فكيف أظهركم عليها وعن أبي الدرداء وسعيد بن جبير {أخْفيَهَا} بالفتح، من خفاه إذا أظهره، أي: قرب إظهارها كقوله تعالى: {اقتربت الساعة} [القمر: 1] وقد جاء في بعض اللغات: أخفاه بمعنى خفاه. وبه فسر بيت امرئ القيس:
فَإنْ تَدْفِنُوا الدَّاءَ لاَنْخفِهِ *** وَإنْ تَبْعَثُوا الْحَرْبَ لا نَقْعُدِ
فأكاد أخفيها محتمل للمعنيين {لتجزى} متعلق بآية {بِمَا تسعى} بسعيها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8